روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | عشرية النصر.. والتأييد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > عشرية النصر.. والتأييد


  عشرية النصر.. والتأييد
     عدد مرات المشاهدة: 2860        عدد مرات الإرسال: 0


في هذه الظروف الدقيقة التي تعيشها أمتنا ودعوتنا نحب أن نتقدم إلى إخواننا بمجموعة من النصائح والتوصيات؛ لتكون لهم معينًا على طريق النصر والتأييد.

أولاً- أخلصوا نياتكم:

فالإخلاص هو حقيقة الدين، ومفتاح دعوة المرسلين.. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معيَ فيه غيري تركته وشركه" (رواه مسلم).

ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: "فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضلها في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض".

إن أسوأ ما يمكن أن يكون عليه المرء عندما يوكل إلى نفسه، فمن وكل إلى نفسه (لا إلى الله تعالى) فقد خاب وخسر، ولقي في دنياه عنتًا وضنكًا، وفي آخرته ذلاً وخزيًا؛ يقول الإمام حسن البنا رحمه الله: "والله إني لا أخشى عليكم الدنيا مجتمعة ولكن أخشى عليكم أمرين اثنين: أن تنسوا الله فيكلكم إلى أنفسكم أو تنسوا أخوتكم فيصبح بأسكم بينكم شديدًا".

ثانيًا- عليكم بالثلاثية الكافية:

توجه الإمام البنا في إحدى كلماته المؤثرة لأتباعه، مرشدًا إياهم إلى الاستعانة بالله على كل ظالم وباغ، فيقول رحمه الله: "وسنستعدي على الباغين سهام القدر، ودعاء السحر، وكل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره".

هذه هي الثلاثية التي يلجأ إليها الضعفاء، وهم يشكون إلى الله ظلم الباغين، وعداوة المجرمين، واستطالة الظالمين.

ثم يقول في موضع آخر: اعلم أن "القلوب بيد الله وحده يصرفها كما يشاء، فألح عليه في الدعاء أن يمد قلبك بالحياة، ويشرح صدرك بالإيمان، ويفيض عليك من برد اليقين، فضلاً منه ونعمة، وتخير لذلك أوقات الإجابة، وساعات السحر، فدعوة السحر سهم نافذ لا يقف دون العرش، وما أشك في أنك مخلص في غايتك، صادق في دعوتك، و(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27) (المائدة).

وأنا أدعوك من هنا إلى صيام كل إثنين وخميس، وأن تختلي بربك قبل غروب الشمس لتدعوه وترجوه أن يكشف عنا الغمة، ويزيل الكربة، ويدفع البلاء.

كما أدعوك إلى صلاة ركعتين كل يوم قبل أن تأوي إلى فراشك، تطيل فيهما السجود والدعاء والتذلل بين يديه عز وجل. وأدعوك إلى الإكثار من فعل الخيرات كافة، وإلى ترك المنكرات كلها، وإلى التوبة النصوح إلى الله تعالى.

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: شهدتُ شيخ الإسلام (قدَّس الله روحه) إذا أَعْيَتْه المسائل واستصعبتْ عليه، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللجوء إليه واسْتِنْـ زَال الصواب من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته؛ فقلَّما يَلْبث المَدَدُ الإلهي أن يتتابع عليه مَدَّاً، وتَزْدَلِفُ الفتوحات الإلهية إليه بأيَّتِهِنَّ يَبْدَأ.

يقول الشاعر:

إذا لم يكنْ عونٌ من اللهِ للفتى == فأولُ ما يَجْني عليه اجتَهادُهُ

ثالثًا- اذكروا أن الله أقوى وأعز:

يقول الإمام البنا رحمه الله: "ولا تغرنكم قوة أعدائكم ولا صولة خصومكم، ولا يهولنكم ما ترون من ظهور هؤلاء أو أولئك، بل ارجعوا إلى طبيعة أهل الإيمان القوي العميق، واذكروا أن الله أقوى وأعز، واذكروا أن قومًا قالوا فيما سبق: (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) (المنافقون: من الآية 8)، فأخرجهم الله ورد عليهم فقال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ 8) (المنافقون).

ثم يقول رحمه الله: بأيدي خصومكم أدوات كثيرة ووسائل كثيرة، وبيدكم أنتم سلاح قوي ماض لو عرفتم كيف تستخدمونه؛ هو سلاح: (وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 104) (النساء).

فتشجعوا أيها الناس، وانصرفوا عن اللهو واللذات، وأقبلوا على الجد والإعداد والاستعداد، ووحدوا الصف، وتجهزوا للعمل ما وسعكم، (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا 51) (الإسراء).

رابعًا- اعلموا أن النصر صبر ساعة:

هناك رواية عربية شهيرة تقول إن رجلاً مشهورًا من العرب لقي البطل المعروف ببأسه وشدته عنترة العبسي، فسأله عن سبب شجاعته وسرها؛ فقال له عنترة: سأخبرك بالجواب عمليًّا؛ هات أصبعك يا أخي، فأعطاه أصبعه، فما كان من عنترة إلا أن عضها بقوة؛ ما دفع الرجل إلى الصراخ والصياح من شدة الألم، مع سحب يده بسرعة من فم عنترة.

قال عنترة: خذ الآن أصبعي فعضها، فأخذ الرجل أصبع عنترة فعضها بقوة، فلم يبال عنترة، فزاد في ضغطه عليها بأسنانه، ثم أخذ يهزها بعنف وعنترة ساكت ساكن، حتى صرخ الرجل من ألم أسنانه التي تطبق على أصبع عنترة الصابر، وأخيرًا قال عنترة: كلانا تألم من العض، ولكني هزمتك بجزعك وقلة صبرك.

ويقول الشاعر:

إني رأيت وفي الأيام تجربـ ةُ == للصـ بر عاقبةً محمـ ودةَ الأثــ رِ

وقلَّ مَنْ جَدَّ في أمرٍ يُطالبُـ هُ == فاسْتَصْحَبَ الصَّبرَ إلا فازَ بالظَّفَرِ

خامسًا- ارتبطوا بالمناهج لا بالأشخاص:

فهذا نور الدين محمود زنكي الملك العادل ليث الإسلام، وحامل رايتي العدل والجهاد، أظهر السنة وقمع أهل البدعة، شجاع وافر الهيبة، قاد الجموع، وانتزع من الكفار نيفًا وخمسين مدينةً وحصنًا، قال: لما التقينا بالعدو خفت على الإسلام فانفردتُ ونزلتُ ومرغتُ وجهي على التراب وقلت: يا سيدي! - يخاطب الله عز وجل- مَنْ محمود؟ !

الدين دينك، والجند جندك، وهذا اليوم افعل ما يليق بكرمك، قال: فنصرنا الله عليهم. وفي المعركة قال له الفقيه الشافعي النيسابوري: بالله لا تخاطر بنفسك، فإنك لو قُتلت قتل جميع من معك، وأُخذت البلاد، وفسد حال المسلمين، فقال نور الدين: اسكت يا قطب الدين! إن قولك إساءة أدب على الله، ومَنْ هو محمود؟! مَنْ كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الذي لا إله إلا هو؟! وظل يردد: ومَنْ هو محمود؟! حتى بكى كل مَنْ كان حاضرًا.

إن الإسلام كالشمس، إن غربت في جهة طلعت من جهة أخرى، فلا تزال طالعة، وإن مات فرد من أفراده أقام الله من المسلمين من يجبر النقص ويسد الثغرة: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 8) (الصف).

وصدق القائل:

إذا مـ ات فينا سيد قام سيد == قئول لما قال الكرام فعول

سادسًا- كونوا أنصار الله:

ليسأل كل واحد منا نفسه: ماذا قدمت لنصرة ديننا وإعزاز أمتنا؟

إن تاريخنا الإسلامي مليء بالحوادث التي كيف كان أسلافنا أنصارًا لله تعالى رغم الشدة والعناء والاضطهاد.

أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أحد من يبحث عن سعد بن الربيع ليراه في الأحياء هو أم في الأموات، قال سعد: أنا في الأموات، أبلغ رسول الله عني السلام، وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله خير ما يجزي نبيًّا عن أمته، وأبلغ عني قومي السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف. وجاهد عمرو بن الجموح رضي الله عنه في أحد وهو معذور إن لم يجاهد؛ حيث كان أعرج عرجًا شديدًا، وكان يقول: سأدخل الجنة بعرجتي هذه.

وكان من دعاء النعمان بن المقرن المزني قائد معركة نهاوند: " اللهم اعزز دينك، وانصر عبادك، واجعل النعمان أول شهيد اليوم، اللهم أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام والمسلمين، أمِّنوا يرحمكم الله"، وقد تحقق له ما أراد فكان أول شهيد في نهاوند.

وردد مع صحابة النبي صلى الله عليه وسلم

نحن الذين بايعوا محمدًا == على الجهاد ما بقينا أبدًا

 
سابعًا- لا خير فيمن عاقه الحرُ والبردُ:

قال الشيخ بهجة الأثري: "انقطعتُ عن حضور درس العلاّمة أبي المعالي محمود شكري الألوسي في يوم مزعجٍ شديدِ الريح غزيرِ المطر كثيرِ الوحل؛ ظنًا مني أنه لا يَحْضُر إلى المدرسة، فلما حضرتُ في اليوم التالي إلى الدرس صار يُنْشِدُ بلَهْجَة الغضبان: ولا خير فيمن عاقه الحرُ والبردُ.

فلا تتأخرن عن واجب دعوي أو حركي، أو إيماني أو تربوي، أو وطني أو مجتمعي، واعلم أنك إن لم تنصر دعوتك في أشد الأوقات التي تحتاج إليك فيها، فستنتصر بغيرك وساعتها ستعرف حجمك الحقيقي، وكان قال ابن عطاء الله: "إذا أردت أن تعرف منزلتك عنده فانظر فيم يُقيمك".

ثامنًا- لا تنسوا هدفكم الأكبر:

يقول الإمام البنا رحمه الله: "أما غاية الإخوان الأساسية.. أما هدف الإخوان الأسمى.. أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم.. فهو إصلاح شامل كامل تتعاون عليه قوى الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل.

والإخوان المسلمون يعملون ليتأيد النظام بالإمام، ولتحيا من جديد دولة الإسلام، ولتشمل بالنفاذ هذه الأحكام، ولتقوم في الناس حكومة مسلمة، تؤيدها أمة مسلمة، تنظم حياتها شريعة مسلمة أمر الله بها نبيه في كتابه، حيث قال: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ 18 إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ 19) (الجاثية) المؤتمر السادس.

تاسعًا- لا تيأسوا من روح الله:

قال محمد علي كلاي: كرهت كل لحظة من التدريب، ولكني كنت أقول (لا تستسلم)، اتعب الآن ثم عش بطلاً بقية حياتك.

والمتصفح للقرآن الكريم يجد أن الله تعالى نهى عن اليأس، فقال جل وعلا: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ 87) (يوسف).

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: "والذي ييأس في الضر من عون الله يفقد كل نافذة مضيئة، وكل نسمة رخية، وكل رجاء في الفرج، ويستبد به الضيق، ويثقل على صدره الكرب، فيزيد هذا كله من وقع الكرب والبلاء.. ألا إنه لا سبيل إلى احتمال البلاء إلا بالرجاء في نصر الله، ولا سبيل إلى الفرج إلا بالتوجه إلى الله، ولا سبيل إلى الاستعلاء على الضر والكفاح للخلاص إلا بالاستعانة بالله، وكل يائسة لا ثمرة لها ولا نتيجة إلا زيادة للكرب ومضاعفة الشعور به".

ويقول الشاعر:

يا صاحب الهم إن الهم منفرج == أبشـ ر بخيـ ر فإن الفـ ارج الله

اليأس يقطع أحيانًا بصاحبـ ه == لا تـ يأسـ ن فإن الكـ افي الله

إذا بليـ ت فثق بالله وارض بــ ـ ه == إن الذي يكشف البلوى هو الله

الله يحدث بعد العسر ميسرة == لا تـ جزعن فإن الصـ انع الله

واللـ ه ما لك غير اللـ ه من == أحد فحسبك الله فـ ي كـ لٍ لك لله

عاشرًا- لا تغتروا بقوتكم وكثرتكم:

واعلموا أننا فقراء إلى الله بضعفنا وعجزنا وقلة حيلتنا، ولا تقولوا لن نخذل اليوم من قلة وقد تعلمنا هذا الدرس يوم حنين، يقول تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ 25 ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ 26) (التوبة).

وسبب الهزيمة في البداية كما قال صاحب الظلال: "ويوم حنين الذي هزموا فيه بكثرتهم ثم نصرهم الله بقوته.. يوم أن غفلت قلوب المسلمين لحظات عن الله مأخوذة بالكثرة في العدد والعتاد، ليعلم المؤمنون أن التجرد لله، وتوثيق الصلة به هي عدة النصر التي لا تخذلهم حين تخذلهم الكثرة في العدد والعتاد؛ وحين يخذلهم المال والإخوان والأولاد".

إن نتائج الانشغال عن الله، والاعتماد على قوة غير قوته، لتكشف لنا عن حقيقة أخرى ضمنية، حقيقة القوى التي تعتمد عليها كل عقيدة، إن الكثرة العددية ليست بشيء، إنما هي القلة العارفة المتصلة الثابتة المتجردة للعقيدة، وإن الكثرة لتكون أحيانًا سببًا في الهزيمة؛ لأن بعض الداخلين فيها، التائهين في غمارها، ممن لم يدركوا حقيقة العقيدة التي ينساقون في تيارها، تتزلزل أقدامهم وترتجف في ساعة الشدة؛ فيشيعون الاضطراب والهزيمة في الصفوف، فوق ما تخدع الكثرة أصحابها فتجعلهم يتهاونون في توثيق صلتهم بالله، انشغالاً بهذه الكثرة الظاهرة عن اليقظة لسر النصر في الحياة.

ثم يقول رحمه الله لقد قامت كل عقيدة بالصفوة المختارة لا بالزبد الذي يذهب جفاء، ولا بالهشيم الذي تذروه الرياح!

الكاتب: أحمد عبده

المصدر: موقع إسلاميات